أرسل المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية خطابا رسميا إلى الإدارة المركزية على المصنفات الفنية يطالبها فيه بمنع عرض الفيلم الإسباني "أغورا" لأنه يمجد الوثنية ويحبب الناس فيها، ويسيء إلى الديانة المسيحية، ويظهر المسيحيين في صورة وحوش ومنتقمين، كما يسيء إلى القديس كيرلس الكبير الملقب بـ"عمود الدين" ويظهره في صورة مكروهة وعنيفة جدا.
وقد تباينت ردود الفعل حول الفيلم الذي أخرجه "أليخاندرو أمينابار" والذي عرض منذ فترة في القاهرة في ختام مهرجان بانوراما الفيلم الأوروبي، فقد وصفته قيادات كنسية بأنه يحمل افتراءات استهدفت تشويه المسيحية والإساءة للمسيحيين، بينما أشاد به النقاد ووصفوه بـ"التحفة الفنية" ورفضوا منع عرضه.
قال جرجس إبراهيم صالح، أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط إن المجلس بصدد إرسال خطابات للرقابة في مصر ودول الشرق الأوسط لمنع عرض الفيلم لما يحمله من تشويه للديانة المسيحية ووصمها بالعنف والغوغائية ورفض العلم، في حين أن من أهم مبادئ المسيحية المحبة حيث يقول المسيح "أحبوا أعداءكم" بالإضافة لدعوتها الدائمة للعلم وحرصها عليه، وقال: الفيلم يمجد الوثنية من أجل إعادة نشرها في العالم من خلال تشويه الدين وهذا أيضا ضد تعاليم الإسلام وليس المسيحية فقط .
وأثارت مطالبات الكنيسة بمنع عرض الفيلم استياء عدد من النقاد الذين أشادوا بالمستوى الفني له، ومنهم الناقد السينمائي سمير فريد، الذي قال إن الفيلم تحفة فنية رائعة حازت إعجاب النقاد والجمهور عندما عرض في مهرجان "كان"، وكذلك عندما عرض في مصر في بانوراما الفيلم الأوروبي على الرغم من حذف ثلث ساعة كاملة منه خاصة بعنف اليهود ضد المسيحيين لمصلحة التسويق على مستوى العالم، وقال: "شاهدت الفيلم كاملا في مهرجان كان وفوجئت بعدها بحذف ثلث ساعة منه بعد ذلك عندما تم عرضه في مصر.
وأكد مخرجه أن ذلك جاء لصالح التسويق وتقليل مدة الفيلم وكانت كل المشاهد المحذوفة خاصة بعنف اليهود ضد المسيحيين، لكن ذلك لم يؤثر على ترابط قصة الفيلم ولم يشعر المشاهد بالفرق".
ورفض فريد فكرة تدخل الكنيسة في عرض الفيلم أو رفضه قائلا: "أنا ضد تدخل الكنيسة أو الأزهر أو أي جهة دينية في أعمال الرقابة لأن هذا غير مقبول وأربأ بتلك المؤسسات المحترمة عن الإقدام عليه، فالقانون منح الرقيب الحق في تقييم الأعمال الفنية من وجهة نظره والسماح بعرضها أو منعها وفقا لتقديره". وأشار فريد إلى أن الفيلم يروج لفكرة نبذ العنف من جميع الأطراف اليهود والمسيحيين والوثنيين ويدين التعصب والغوغائية بشكل موضوعي ويظهر أنه ليس هناك تصادم أو تعارض بين الدين والعلم، كما أنه ليس ضد المسيحيين ولا الكنيسة القبطية".
رفض النقاد تدخل الكنيسة في الفيلم
الفيلم تكلف إنتاجه نحو 50 مليون يورو، وتم تصويره في جزيرة مالطا، ويتناول الحقبة التاريخية في أوائل القرن الرابع أثناء الحكم الروماني لمصر، وتجرى أحداثه في مدينة الإسكندرية التي كانت قبلة الحضارات الثلاث الرومانية والفرعونية والإغريقية من خلال قصة حياة الفيلسوفة "هيباتيا" وهى عالمة ومفكرة ملحدة تؤدى دورها "راشيل وايز".
وتتخلل الفيلم شخصيات كان لها تأثير قوى على سير الأحداث مثل الراهب "أمونيوس" الذي كان مقرباً من البابا كيرلس وكان له دور بارز في إثارة الفتن وممارسة العنف، ويظهر ذلك من خلال مناظرة بين الراهب أمونيوس وأحد الوثنيين في الساحة أمام والد هيباتيا حيث يطلب الراهب من الوثني أن يمر كل منهما على جمرات النار المشتعلة ومن يمر دون أن تأذيه النار يكون دينه هو الحق ويمر الراهب على الجمرات دون أن يتأذى وسط صيحات وتهليل المسيحيين ويرفض الوثنى ووالد هيباتيا إجراء التجربة فيجذبه أمونيوس بعنف ويلقيه في النار فيحترق.
ويعقد كهنة المعبد جلسة للنظر في توغل المسيحية وكيفية التصدى لها بالقوة ومنع المسيحيين من دخول مكتبة الإسكندرية وحلقات الدرس وتعترض هيباتيا قائلة "إننا جميعا آدميون وكل شخص حر في اعتقاده" ويقوم الوثنيون بضرب المسيحيين في الساحة ويقتلون العديد منهم وسط استياء وغضب شديد من هيباتيا التي تدعو لنبذ العنف وحرية الاعتقاد ويقابله عنف مضاد من المسيحيين.
ويلعب الراهب أمونيوس دوراً في شحن المسيحيين بمباركة من البابا كيرلس الذى بدأ عهده كبطريرك بدعوة المسيحيين لتطهير أرض الرب معلنا رفضه تعاليم هيباتيا ورفضه للعلم الذى يمثل الوثنية والإلحاد فيقتحم المسيحيون المكتبة لتدميرها وتمزيق مابها من كتب ومخطوطات وتحاول "هيباتيا" إنقاذ المخطوطات وسط محاولات لحمايتها من دافوس الذي ينخرط في المسيحية ويتحول إلى تابع لأمونيوس ويعانى من صراع داخلي بين ما تعلمه من هيباتيا من علوم ومحبة وبين ما يتعلمه من أمونيوس من عنف.