إذا كان الكذب لا يرتبط بمهنة معينة، فثمة من يرى أن الفنانين هم أكثر الناس استهلاكاً له في كل نواحي حياتهم. فالناقد الفني أيمن الشندويلي يقول في شكل جازم "كل الفنانين كذابون"، معتبراً انه كلما أجاد الفنان الكذب وأتقنه ازداد نجاحه، ويوضح الشندويلي أن "الكذب يحتاج إلى ثقافة، والفنان المثقف هو الذي يجيد الكذب أكثر من غيره".
الفن لا يعدو كونه أجساداً منزوعة
وفجور ومخدرات
فيما يعتبر الفنان فارس كرم القول "أن الفن رسالة ما هو إلا أكذوبة كبرى، فالفن حالياً لا يعدو كونه أجساداً منزوعة وفجور ومخدرات"، وبمزيد من الجرأة والشجاعة والصراحة أطلق وصف "غير النظيف" على الوسط الفني مؤكداً أن أجواء الحياة الفنية "ما هي إلا أجواء كذب ونفاق". وبعد... ما موقف الفنانين من عيد الكذب وكيف يردون على اتهامات النقاد وبعض زملائهم؟
الفنانة ميسم نحاس التي غنت للكذب في عدد من أغنياتها قالت "لا أحب الكذب، ولكن ويا للأسف فهو لا ينحصر في الأول من نيسان، بل أصبح الخبز اليومي للناس، أعتقد أن هذا العيد يجب أن يخصص للأطفال لأنهم أبرياء وصادقون، وعندما يحتفلون به يشعرون بأنهم يقومون بأمر خارج على المألوف، أما الكبار فلا حاجة لان يحتفلوا به". وقالت أيضًا "عانيت كثيراً بسبب الكذب، ولكنني أصبحت أكثر وعياً وتعلمت من تجاربي أن لا احد يقول الحقيقة مئة في المئة، فكل كلمة تلفظ يكون وراءها أبعاد وخلفيات ونادراً ما اصدق شخصا يتحدث إلي".
وأضافت "انا اكذب لإخفاء حقيقة ما عن ابني، لأنه ليس مطلوباً أن يعرف الطفل كل شيء، أما في الفن فأنا صريحة زيادة عن اللزوم وهذا أمر صدم كثيرين، ثمة أمور تحدثت عنها كفنانة بكل وضوح، وكنت ارمي من ذلك إلى البعث برسالة معينة للناس ليستفيدوا من تجربتي الشخصية، ولكنني عدت وتراجعت قليلاً عن هذا المبدأ. المؤسف أن الناس لا يحبون الفنان الصادق، بل يفضلون عليه الفنان الخبيث، حالياً، لم اعد أتحدث عن حياتي الشخصية، وعندما أجد نفسي مضطرة إلى الإجابة عن سؤال معين في هذا الإطار أعطي نصف جواب".
اكذب فقط لثانيتين أو ثلاث
ثم اعترف بكذبي
الفنانة دومينيك حوراني قالت: "الأول من نيسان مخصص للكذب الأبيض ولفشّ الخلق، ولكن مع انتشار الكذب في العالم لم نعد نشعر بهذا اليوم، بل أصبح يمرّ مرور الكرام، غير انه لا يمكن أن نقول أن كل الناس يلجأون إلى الكذب، وان كانت نسبة الكاذبين مرتفعة جداً".
الفنانون يكذبون كثيراً خصوصاً المخضرمين، لأنهم يعرفون أن جمهورهم يحب "التفشيخ والتضخيم"، وهم يسعون إلى تضخيم إخبارهم كي يحظوا بقبول اكبر لدى الناس، ويا للأسف فان بعضهم يتحدث عن أعمال وهمية ليست صحيحة على الإطلاق، ولكن لا يلبث أن يفتضح أمرهم مع الوقت، أنهم يتحدثون عن مليارات وعن عروض هوليوودية وعالمية، ولكن كله "تفنيص".
وعما قاله فارس كرم أن الفن ليس سوى أجساد منزوعة وفجور ومخدرات، أجابت حوراني "كل إنسان يحكي بأصله، لكن الفنان يشعر بأنه بات المحور الأساسي في هذه الحياة". وأضافت "اكذب فقط لثانيتين أو ثلاث ثم اعترف بكذبي، واعتمد هذه الطريقة لامتصاص غضب الآخر، أحيانًا يضطر الإنسان إلى الكذب، لان الناس لا يحبون سماع الحقيقة كونها تصطدمهم، وافعل ذلك عندما يكون زوجي غاضباً مني أو عندما يعاني احد أفراد أسرتي مشكلة منعاً لحدوث صدمة لدى سائر أفراد العائلة، كما اكذب لإبعاد شخص "ثقيل الدم" عني، فالفنان يجد حاجة لحماية نفسه، لان مئة ألف شخص يطلبون مقابلته في الثانية الواحدة. أما في الفن فلا اذكر أني كذبت، حتى أنني وقحة في أجوبتي، وأحيانا يطلب مني ألا أقول الحقيقة كما هي في المقابلات التلفزيونية، لان الجرأة تجرح المشاعر".
لا أتصور أن العالم يمكن أن
تسير أحواله من دون كذب
الفنان جاد شويري قال "عندما اكذب أجد نفسي مضطراً إلى ذلك كي ابعد الأذى عن الآخرين، ولكن لا أتصور أن العالم يمكن أن تسير أحواله من دون كذب، وان كان الكذب على الذات هو الأكثر تداولاً بين الناس، أما في الوسط الفني، فالوعود كثيرة وكاذبة، ولكي يتمكن الفنان من تنفيذ أحلامه وتحقيق طموحاته يجب ألا يكذب على نفسه، انطلاقاً من معرفته بقدراته وإمكاناته. أما الكذب على الآخرين فهو معتمد عند بعض الفنانين، حتى أنهم لا يمكن أن يحققوا أي نجاح من دونه، ولا يصلون إلا عبره حتى لو تطلب الأمر "الدعس" على الآخرين. ومن جهتي، أحاول قدر المستطاع التعبير عن آرائي، وهذا يبدو واضحاً في مقابلاتي، لأنني لا أحب أن أخون أفكاري، وان كان هناك حدود معينة يجب التزامها أمام الرأي العام، منعاً لجرح شعور الناس".
وتعليقاً على كلام فارس كرم قال "انا أول من قال أن الفن ليس فقط رسالة، ويومها قامت الدنيا عليّ واعتبروني أتفلسف على الناس، الفن يمكن أن يكون ترفيها وتسلية ومهنة كأي مهنة أخرى. وأضاف "في الغرب، نجد الفنانين يتحدثون عن مشاكلهم وعن تعاطيهم للمخدرات مثلاً بهدف نشر التوعية بين الناس، في حين أن الفنان في العالم العربي يسعى دائماً إلى تقديم نفسه بصورة مثالية، كأنه إنسان "سوبر" وخارق".
وأكد شويري انه يكذب عندما يشعر بأنه مضطر إلى تفادي مشكلة ما، "لا اسمي ذلك كذبة بيضاء، بل كذبة لتفادي مشكلة يمكن أن تقع، بصراحة، لست معصوماً، كلنا كفنانين نكذب من اجل أن نحسن صورتنا، حتى إننا نجملها بـ "البويا" لتفادي إشكالات يمكن أن تحصل في علاقاتنا العملية والشخصية، أما على المستوى الفني، فمعروف عني إنني أقول ما أفكر فيه، ولكنني أحيانا أتفادى التطرق إلى بعض المواضيع".