حل يوم أمس 17 يناير/كانون الثاني الذكرى الثامنة لرحيل الفنانة المصرية فاتن حمامة، وتبقى مكانتها كما هي "سيدة الشاشة العربية" وصاحبة الصدارة في قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وبهذه المناسبة نقدم الرواية الحقيقية لاكتشافها في طفولتها لتشارك الموسيقار محمد عبد الوهاب بطولة الفيلم الشهير "يوم سعيد" الذي منحها النجومية ووضعها على مصاف نجمات الصف الأول.
القصة الحقيقية لاكتشاف موهبة فاتن حمامة كشفت عنها مذكرات مكتشفها وأول من قدمها للسينما المخرج الراحل محمد كريم، الذي خصص فصلا كاملا روى فيه كيف اكتشف الموهبة الصغيرة وقدمها للجمهور قبل أن تتم عامها السادس، مؤكدا أنه أعاد كتابة الفيلم حتى يناسب "موهبتها العظيمة" وتضمنت المذكرات المجهولة أول صورة لفاتن قبل الشهرة.
الطفلة فاتن حمامة في فيلم "يوم سعيد" (1939)
يروى محمد كريم معاناته في مهمة البحث عن طفلة للمشاركة في أحداث فيلم "يوم سعيد" وكيف تعرف على فاتن حمامة بالصدفة قائلا: لقد رأيت مئات الأطفال، كنت أراهم في اليوم الواحد بالعشرات واستعرضهم بإلقاء نظرة سريعة إلا أن واحدة منهن لم تستوقف نظري.. وكدت أيأس.. إلى أن وصلني خطاب يحمل خاتم بريد المنصورة من الأستاذ أحمد حمامة. قال فيه أنه مدرس بالمنصورة وأن له بنتاً صغيرة اسمها فاتن، وأرفق بخطابه صورتين فوتوغرافيتين، فأرسلت أستدعيه مع الطفلة.
أضاف: وفي مكتب عبد الوهاب رأيت فاتن حمامة.. الطفلة. من النظرة الأولى قررت صلاحيتها للدور بنسبة 50 في المائة. ومن النظرة الأولى أيضا أعجبت بالطفلة وجلست أتحدث معها ساعات، فأيقنت أنها لا تصلح للدور بنسبة 100% فحسب، بل أيقنت أنها أكبر من الدور الذي رشحتها له، ورجعت إلى السيناريو وبدأت أبذل مجهودا كبيرا لتكبير دور أنيسة في كل جزء من أجزائه (..). تابع قائلا: لقد كان نبوغها منقطع النظير، وكانت إلى جانب ذلك عملاقة في طاقتها البشرية التي فاقت الحدود. كانت تعمل من السادسة مساء إلى السادسة صباحا دون أن يبدو عليها التعب..
فاتن حمامة في فيلم "الأستاذة فاطمة" (1952)
سر الإعجاب بموهبة فاتن حمامة
وأوضح سر اعجابه بموهبة الطفلة فاتن حمامه قائلا: إن العمل مع الأطفال في السينما من أشق أنواع العمل، فالتفاهم معهم ومع عقليتهم متعذر.. يبكون، يتعبون، يطلبون طلبات معينة أو أشياء أو حلوى ولعب.. يسير العمل معهم وفق مزاجهم لا وفق مقتضيات العمل. لكنها كانت على النقيض من ذلك كله. فلم تطلب يوما شيئا مما أعتاد الأطفال أن يطلبوه، ولم تتذمر، ولم تتأفف بل كانت تقبل على العمل بكليتها متشوقة متلهفة.
وواصل ذكرياته بقوله: كان أبوها وأمها يلازمانها باستمرار، فكنت تراهما على كرسيين في سابع نومة، بينما هي في تلك الساعات المتأخرة من الليل جالسة على كرسي متفتحة العينين مرهفة الآذان لكل ما يدور في البلاتو، قبل البدء في تصوير منظر من المناظر التي تشترك فيها أنيسة كنت أنفرد بها وأحكي لها ببساطة عما ينبغي أن تفعل.. وكانت الصغيرة لا تكتفي بشرحي بل كانت تستوضح كثيرا من النقط، وتتأكد، وتكرر الكلام الذي ستقوله في الدور. فإذا ما وقفت أمام الكاميرا أدت دورها بكل دقة ومهارة.
وتابع: كنا نصور منظر فؤاد شفيق وفردوس محمد أثناء تناول الطعام. كانت الأكلة عبارة عن كوارع، وكانت فاتن تشترك معهما في تناول الغذاء، فوضعت في طبقها بضع قطع الخبز حتى لا تضرب لخمة في أكل الكوارع، وحتي يسهل عليها أن تمضغها خلال التصوير. وقد تم تصوير المنظر مرة واحدة.. كانت فاتن رائعة.. فأسرعت عليها أقبلها: برافو عليكي يا فاتن.. أكلتي كويس قوي. فردت قائلة: حضرتك فاكر إن الأكل اللي حطيته قدامي كفى.. ده كان خلص من الصبح وطول الوقت أنا عملت نفسي بأكل عشان ما أخسرش المنظر"!
موهبة فاتن حمامة تخطت حدود الطفلة أنيسة، فبعد 4 سنوات من عرض فيلم "يوم سعيد" استدعاها نفس المخرج مرة ثانية للتمثيل مرة ثانية أمام محمد عبد الوهاب في فيلم "رصاصة في القلب" (1944)، ومع فيلمها الثالث "دنيا" (1946) تمكنت من حجز موطئ قدم لها في السينما المصرية وانتقلت العائلة إلى القاهرة تشجيعًا منها للفنانة الناشئة ودخلت حمامة المعهد العالي للتمثيل عام 1946.
انتقلت فاتن حمامة من مرحلة الطفولة إلى المراهقة مع يوسف باشا وهبي الذي طلب منها تمثيل دور ابنته في فيلم "ملاك الرحمة" (1946)، وكان عمرها آنذاك 15 عاماً فقط وبدأ اهتمام النقاد والمخرجين بها. واشتركت مرة أخرى في التمثيل إلى جانب يوسف وهبي في فيلم "كرسي الاعتراف" (1949)، وفي نفس العام قامت بدور البطولة في الفيلمين "اليتيمتين" للمخرج حسن الإمام و"ست البيت" (1949)، وحققت هذه الأفلام نجاحًا عاليًا على صعيد شباك التذاكر.