في ذلك المنزل المهجور الموجود الآن في منطقة زقاق البلاط في بيروت، عاشت "سفيرة لبنان إلى النجوم" السيدة فيروز، الى أن خرجت منه مكلّلة بالأبيض إلى بيت الزوجية في أنطلياس، لتبدأ مع زوجها حياة جديدة مليئة بالنجاحات والشهرة. وتركت العائلة البيت منذ سنوات طويلة، فأهمل وانهار جزء منه. وأصبحت النباتات البرية تعشش في كل مكان. الحديد والخشب في الارض، الحجارة مبعثرة، والقرميد محطم.
ذلك البيت "العتيق"، الشاهد على تفتّح حبّها للفن، استملكته وزارة الثقافة اللبنانية في الفترة الأخيرة. بعدما كان مصنّفاً كبيت أثريّ كونه بني على طراز البيوت اللبنانية التاريخية، بات إرثاً ثقافياً أيضاً كونه بيت فيروز وأهمّيته المعنوية الثقافية الإبداعية تفوق بأضعاف هندسته الداخلية والخارجية. هناك حاجة ملحّة لإحياء وإنعاش الذاكرة الإنسانية الخصبة بالأغنيات والموسيقى التي تردّد صداها في جنبات البيت والمنطقة، وحُكي مراراً عن مشاريع لترميم البيت وتحويله إلى متحف. علماً أنّ المجلس البلدي لمدينة بيروت قد اتخذ عام 2008 قراراً قضى بإعلان المنفعة العامة عليه، وعلى العقار المجاور الذي يضمّ قصر "الأخطل الصغير" بشارة الخوري بهدف الحفاظ عليهما.
كلّ المشاريع السابقة كانت فقاعات إعلانية إلى أن أعلن وزير الثقافة بأنّه سيضع اللبنة الأساسية لترميم بيت فيروز وتحويله إلى متحف وترميم بيت "الأخطل الصغير". وتسربت معلومات عن وصول مبلغ يفوق المليون ونصف المليون دولار للترميم، وصرّحت جمعية "بيت البركة" التي ترأسها مايا إبراهيم شاه انها أخذت المبادرة بنفسها حين زارتهم سيدة فرنسية من قبل رابطة تابعة للاتحاد الأوروبي، وهي مجموعة تنشئ متاحف ومراكز ثقافية في معظم دول العالم، وقالت خلال زيارتها إنّها ستساعد "بيت البركة" بترميم محلات ثقافية تضرّرت بعد انفجار بيروت.
وتابعت مايا: "اعتبرتُ حينها أنّها فرصة لا تعوّض لترميم بيت فيروز ولا يجب إضاعتها. ذهبنا وطلبت من المحافظ أن يفتح لي باب بيت فيروز للضرورة، بما أنّه مقفل ومطوّق. أعطوني الإذن ودخلنا. عرضتُ عليها تحويل بيت فيروز متحفاً.. وبعد مرور شهر، اتصلت بي قائلة إنّه سيتمّ منحنا مبلغاً لترميم المبنى.
فيروز - سلملي عليه
مشروعهم ليس فقط إنشاء متحف، بل جعله أيضاً نقطة ارتكاز للموسيقى اللبنانية كونه بيتاً تراثياً في المقام الأول، ولديه رونق البيوت التراثية اللبنانية، وهو أيضاً بيت ذو طابع فني لأنّه بيت فيروز أي بيت الموسيقى اللبنانية. وعمّا إذا كان بيت الرحباني يريدون هذا البيت أو لا، تجيبنا: "ليس لدينا خطّ مفتوح مع السيدة فيروز، لأنّنا لا نعرفها شخصياً، لكن سبق لريما الرحباني أن أبدت رأياً بأنّها لا تريد هذا البيت. قالت إنّه لو كنا نريد أن نرّممه، كنا رمّمناه، ولا أعرف مزيداً من التفاصيل. البيت اليوم ملك وزارة الثقافة، وهي التي تقرّر ماذا تفعل به، والشعب اللبناني يحبّ اليوم أن يكون هناك شيء ما لفيروز. هو بحاجة لهذا لأنّ فيروز تجمع لبنان واللبنانيين والثقافة والعرب. تجمع الجميع. مَن يسمع صوت فيروز، يحنّ لها ويحنّ للأيام الماضية.