ما بين أواخر القرن السادس عشر ومطلع القرن الثامن عشر، عاشت مناطق أوروبا الغربية على وقع ما عرف بالفترة الباروكية التي تميزت حينها بالفن الباروكي بالمجال المعماري ومجال التصوير. فقد سجل هذا النمط الفني ظهوره لأول مرة بروما أواخر القرن السادس عشر ليمتد فيما بعد نحو مناطق أخرى من أوروبا.
في الأثناء، سجلت أوروبا الغربية ظهور العديد من الفنانين الباروكيين مثل كارافاجيو (Caravaggio) ورامبرانت (Rembrandt) ودييغو فيلاسكويز (Diego Velázquez) بمجال الرسم وفراشيسكو موتشي (Francesco Mochi) وجان كورنو (Jean Cornu) بمجال النحت. وبمجال الموسيقى، مثّل الفرنسي، ذو الأصول الإيطالية، جان باتيست لولي (Jean-Baptiste Lully) أبرز الملحنين بالفترة الباروكية، حيث قدّم الأخير العديد من القطع الموسيقية الخالدة قبل أن يفارق الحياة بظروف غريبة.
حياة لولي بفرنسا
ولد الملحن وعازف الكمنجة جان باتيست لولي بمدينة فلورنسا الإيطالية يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1632. وبالرابعة عشرة من عمره، انتقل لولي لفرنسا للعمل بقصر الدوقة آن ماري لويز دورليان (Anne Marie Louise d’Orléans) حفيدة ملك فرنسا السابق هنري الرابع. إلى ذلك، وصفت الأخيرة جان باتيست لولي بالقبيح ورفضت تواجده بأروقة القصر.
ولهذا السبب، أرسل هذا الملحن الإيطالي في صباه للعمل بالمطبخ. وبقصرها، امتلكت آن ماري لويز دورليان فرقة موسيقية صغيرة تواجد بها عدد من عازفي الكمنجة. وأثناء فترة عمله بالقصر، تقرب لولي من هذه الفرقة الموسيقية وأتقن العزف على عدد من الآلات الموسيقية وخاصة الكمنجة.
إلى ذلك، أظهر جان باتيست لولي براعة كبيرة في العزف على الكمنجة والتلحين. وعقب أحداث الفروند (Fronde) بفرنسا التي تميزت بصراعات داخلية بالبلاد، انتدب لولي من قبل الملك لويس الرابع عشر للعمل بالفرقة الموسيقية الملكية. ما بين 1653 و1659، أبدع جان باتيست لولي بعدد من عروض الباليه وحصل على مكانة اجتماعية هامة. وقد مثلت عروض باليه Ballet du Temps وBallet d'Alcidiane وBallet des Plaisirs أبرز أعماله بتلك الفترة. من جهة ثانية، قدم الأخير أعمالا أخرى عديدة بمجال الباليه الهزلي والتراجيديا الغنائية الموسيقية والأوبرا. وبحلول العام 1661، حصل جان باتيست لولي على النوعية الفرنسية وعيّن مسؤول موسيقى لدى الملك، كما نال بالعام التالي منصب قائد فرقة موسيقى العائلة الملكية.
وفاة بدون قصد
يوم 8 يناير/جانفي 1687، كان من المقرر أن يقود جان باتيست لولي أوركسترا مكونة من 150 عازفا لتقديم الأغنية الدينية "يا إلهي" (Te Deum) أمام عدد كبير من الحاضرين بالقصر احتفالا بتعافي الملك الفرنسي لويس الرابع عشر من مرض الناسور الشرجي الذي كاد أن يودي بحياته لولا التدخل الجراحي الناجح الذي أجراه الجراح الفرنسي شارل فرانسوا فيليكس (Charles-François Félix). وأثناء التدريبات والاستعداد للعرض، أصيب لولي بنوبة غضب ضد الموسيقيين وضرب دون قصد إصبع رجله بالعصا التي استخدمها لقيادة الأوركسترا.
لاحقا، تعفن الجرح بإصبع لولي وظهرت عليه بوادر مرض الغرغرينا. إلى ذلك، رفض لولي بتر القسم المصاب من رجله مؤكدا أن ذلك سينهي مسيرته بمجال الموسيقى والرقص. وبسبب ذلك، انتشرت الغرغرينا بشكل سريع بجسد لولي وأصابت قسما كبيرا من دماغه قبل أن تودي بحياته يوم 22 آذار/مارس 1687.