انتقل خاشيار جافانمردي في سن الثالثة عشرة من طهران إلى مدينة رشت في الشمال، الواقعة على ضفاف بحيرة، وطبعت مرحلة شبابه عطلات نهاية الأسبوع التي قضاها على الساحل الإيراني لبحر قزوين. ويتذكر المصور في حديث له أن "المكان كان حالمًا، وبمثابة العالم المثالي لي. كل ما تعلّمته كان في بحر قزوين".
وفي محاولة للتخفيف من جمالية هذه الصورة الخلابة، تذكر جافانمردي الإزعاج الذي كانت تسبّبه له قشريات أمفيبودية تشبه الجمبري في المياه العذبة، كانت تقضم قدميه كلما غامر بالنزول إلى الماء. لطالما كرهها، لكن عندما أدرك غيابها، بدأت أجراس الإنذار تدق لديه: "كان هذا أول أمر لاحظته يتغير. قرأت لاحقًا أنها انقرضت بسبب التلوث. كانت غذاءً لأنواع أكبر من الحشرات".
يُعتبر بحر قزوين الذي يقع بين أوروبا وآسيا، أكبر مسطح مائي داخلي في العالم، إذ أنه عبارة عن حوض ضخم أو بحيرة كبرى، تحدّه خمس دول هي: إيران، وروسيا، وأذربيجان، وكازاخستان، وتركمانستان. وفي السنوات الأخيرة بات يشكّل مصدر قلق كبير لمن يراقبون سواحله، وذلك بسبب ما وصفه برنامج الأمم المتحدة للبيئة بأنه "عبء هائل من التلوث الناجم عن استخراج النفط وتكريره، وحقول النفط البحرية، والنفايات المشعة من محطات الطاقة النووية، وكميات هائلة من مياه الصرف الصحي غير المعالجة والنفايات الصناعية التي ينقلها نهر الفولجا (الذي يتدفق عبر روسيا إلى بحر قزوين)".
دفعت المخاوف بشأن التنوع البيولوجي للمياه جافانماردي إلى إطلاق مشروع التصوير الفوتوغرافي الذي استمر لعقد من الزمان، وسلّط الضوء على الأثر البيئي والاجتماعي للتدهور الذي تسبّب فيه الإنسان بالمنطقة. وتم نشر الدراسة الجديدة أحادية الموضوع لجافانماردي، التي أخذت عنوان "بحر قزوين: انعكاس جنوبي"، أجرى عبرها مسحًا شاملًا للمنطقة. وفي حديثه قال: "هذا المشروع هو جوهر حياتي ومسيرتي المهنية. وبصفتي فنانًا، كنت أرغب دومًا بأن أكون شاهدًا صادقًا".
يتأرجح الكتاب بين المناظر الطبيعية، والصور الشخصية، والمشاهد الهادئة المتسقة مع بعضها البعض. وفي إحدى الصفحات يقف ثلاثة أفراد من الأسرة في مواجهة أمواج بيضاء خشنة، وتبرز قدم رابع من نافذة سيارة إلى يسارهم. وفي مكان آخر يجلس رجل بشارب وحيدًا على طاولة بلاستيكية، وتبدو على وجهه نظرة يأس. وتظهز صور السفن المهجورة وسواها من القطع المهملة، بالتوازي مع الشعور بالخسارة.
وقد رُشِّح هذا المشروع في العام الماضي لجائزة إليزيه (إحدى أرقى جوائز التصوير الفوتوغرافي في العالم والتي تُقام بالاشتراك مع متحف إليزيه، في لوزان أيضًا)، وحصل على تنويه خاص من لجنة التحكيم. وبعد ذلك، كتبت مديرة المتحف ناتالي هيرشدورفر مقدمة الكتاب. وجاء في المقدمة: "نكتشف مشاهد تترك طعم الخراب"، مشيرةً إلى أنّ "السكان الذين يمرون عبر هذه المناظر الطبيعية التي غالبًا ما يتم تصويرها من مسافة بعيدة، يعبرون عن الشعور بالوحدة الممزوجة بالحزن".
وقال جافانمردي الذي بدأ العمل في المشروع ببحيرة أنزلي الإيرانية إنّ "السؤال الذي طرحته على الناس يتمثل بما هو دور بحر قزوين في حياتك؟". وتابع: "لقد كانوا منفتحين حقًا، وشاركوا ذكرياتهم وكيفية شعورهم". إنهم يطلقون عليه اسم أم قزوين، وقال أحدهم: "يبدو أنّنا لم نكن جيدين مع أمّنا، ولم نكن بهذا القدر من اللطف، والآن تشعر بالحزن، ولن تبادلنا حبها".
في الواقع، عندما كان بحر قزوين ذات يوم مركزًا رئيسيًا للحركة بين إيران وأوروبا، أصبح في القرن الماضي مكانًا للترفيه. لكن اليوم، تقول وزارة البيئة الإيرانية إن مياهها ملوثة بأكثر من 120 ألف طن من الملوثات سنويًا، محلية وصناعية، بالإضافة إلى بقايا النفط، بينما يقدر جافانمردي أنّ معدل صيد الأسماك تراجع بنسبة 70٪.
وأوضح جافانمردي أنه في حال "تقلّص مستوى المياه، فإنّ حياة الناس سوف تتدهور"، مستشهداً بإحصائيات أخرى تتوقع أن تنخفض مستويات المياه بمقدار يتراوح بين تسعة أمتار و18 متراً بحلول نهاية القرن. أما النشاط العسكري، وخاصة غزو روسيا لأوكرانيا، فهو سبب آخر متفاقم (يُشتبه في أن روسيا استخدمت أسطولها في بحر قزوين لشن عدد من الضربات).
إلى ذلك، وصف المصوّر اللغة بأنها جوهر الإهمال، إذ يُطلق على البحيرة اسم "بحر"، وهو تصنيف من شأنه أن يعني فرض لوائح أكثر صرامة من قِبَل الهيئات الحاكمة المعنية بشأن النفايات والتلوث (مقارنة بالبحر). وأضاف أنّ أهدافه من المشروع كان هدفها دومًا زيادة الوعي. وقال: "هذا هو هدفي، ولذلك حاولت استخدام المسطح المائي كوسيلة للتواصل مع الثقافة، والسياسة، والسياسة العالمية، لأن هذا لا يتعلّق بإيران فقط". وتابع: "لقد حاولت أن أظهر كيف أن بحر قزوين لا يزال حياً. بالنسبة لي، إنه الصرخة الأخيرة للحياة. تشعر دومًا أنّ هناك شيئًا في الهواء عندما ترى الصور. أحب أن أعطي هذه المساحة للجمهور، ليشعر بذلك".