خلال شهر حزيران/يونيو 1942، شهدت الحرب العالمية الثانية على ساحة المحيط الهادئ تغييرا تاما بموازين القوى. فقد عرفت البحرية اليابانية بعد أشهر من الانتصارات، انتكاسة بمعركة ميدواي (Midway) التي خسرت خلالها 4 حاملات طائرات.
ويوم 18 نيسان/ابريل 1943، تلقت البحرية اليابانية صفعة أخرى أضرت بمعنويات الجيش ومعظم الشعب الياباني، حيث تمكنت الطائرات الأميركية من إسقاط طائرة الأميرال الياباني إيزوروكو ياماموتو (Isoroku Yamamoto) المصنف كأحد أهم المخططين لهجوم بيرل هاربر وأفضل العسكريين بالقيادة العليا للبحرية اليابانية. ثم تعرضت اليابان عقب سنة، لنكسة أخرى حيث استهدف أرخبيلها الرئيسي بقصف استراتيجي مهّد لبداية عمليات قصف المدن اليابانية وأضر بمعنويات اليابانيين.
قرار قصف أرخبيل اليابان
وأواخر العام 1943، قدمت هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأميركي موافقتها على بدء عملية قصف استراتيجي ضد أرخبيل اليابان ومناطق شرق آسيا. ولإنجاح هذه العملية التي أطلق عليها ماترهورن (Matterhorn)، اتجه المسؤولون الأميركيون للاعتماد على قاذفات القنابل بي 29 (B-29) المتمركزة بالهند كما وافقوا في الآن ذاته على إنشاء مطارات بمناطق متقدمة من الصين. كما اتجهت الولايات المتحدة الأميركية لبناء مهابط طائرات بمنطقة تشنغدو (Chengdu) بالصين القارية. وبحسب التقارير، كان من المقرر أن تعتمد هذه المهابط لضمان وصول طائرات الشحن الأميركية المحملة بالمؤن والوقود الذي كانت ستعتمد عليه قاذفات القنابل الأميركية برحلاتها الطويلة تجاه الأراضي اليابانية. وبحلول شهر نيسان/أبريل 1944، تم إنشاء سرب سلاح الجو العشرين الذي أوكلت له مهمة الإشراف على استخدام قاذفات القنابل بي 29 لقصف الأراضي اليابانية. من جهة ثانية، تولى الجنرال الأميركي هنري ارنولد (Henry H. Arnold) مهمة قيادة سرب سلاح الجو العشرين انطلاقا من البنتاغون بالولايات المتحدة الأميركية.
قصف ياواتا
ثم أقلعت انطلاقا من المطارات الموجودة بالأراضي الصينية، خلال الليلة الفاصلة بين يومي 15 و16 حزيران/يونيو 1944، حوالي 75 قاذفة قنابل أميركية من نوع بي 29 صوب الأراضي اليابانية. وبهذه المهمة، حصلت قاذفات القنابل الأميركية على أوامر باستهداف مصنع الحديد والصلب الإمبراطوري بمدينة ياواتا (Yawata) بشمال جزيرة كيوشو (Kyūshū) اليابانية. وألحقت الطائرات الأميركية أضرارا بسيطة بهدفها حيث لم تتمكن سوى 47 قاذفة قنابل من إلقاء قنابلها على مواقع قريبة من المصنع. وخلال هذه العملية خسر الأميركيون 7 طائرات حيث تحطمت 5 قاذفات قنابل بسبب حوادث بينما أسقطت الدفاعات الجوية اليابانية اثنتين. وقد أسفر ذلك عن مقتل 57 من طاقم هذه الطائرات إضافة لصحفي كان قد رافقهم لتغطية مجريات عملية القصف.
يذكر أنه وعلى الرغم من عدم تحقيقه لأهدافه، إلا أن هذا القصف ألحق ضررا معنويا كبيرا بالشعب الياباني الذي أدرك حقيقة انهيار البحرية اليابانية بالمحيط الهادئ وتحول مدنهم لأهداف أميركية. من جهة ثانية، كشفت هذه الواقعة العديد من الثغرات بالدفاعات الجوية اليابانية التي لم تكن قادرة على حماية المدن بشكل جيد. وخلال الفترة التالية، تعرضت ياواتا للعديد من عمليات القصف، جاء أعنفها يوم 8 آب/أغسطس 1945 عندما استخدم الأميركيون القنابل الحارقة لتدمير القسم الأكبر منها.