يوم 1 أيلول/سبتمبر 1939، اتجهت ألمانيا لغزو الأراضي البولندية بشكل مباغت، متسببة بذلك في اندلاع الحرب العالمية الثانية. فعقب هذا الهجوم الألماني، لم تتردد كل فرنسا وبريطانيا في إعلان الحرب على ألمانيا، التي كانت قد أبرمت في وقت سابق اتفاقية عدم اعتداء مع الاتحاد السوفيتي. وخلال فترة الحرب، اتجهت ألمانيا، عقب نجاحها في غزو فرنسا، لتقديم عروض سلام لبريطانيا التي رفضت بدورها كل المبادرات الألمانية. وقد جاءت أغرب هذه المحاولات عن طريق رودولف هيس (Rudolf Hess)، الذي شغل منصب كاتب أدولف هتلر، المصنف من قبل كثيرين بالرجل الرابع بالنظام النازي.

خطة رودولف هيس
خلال السنوات الأولى للحرب العالمية الثانية، فقد رودولف هيس مكانته بالنظام الألماني لصالح شخصيات أخرى مثل قائد سلاح الجو هرمان غورينغ (Hermann Göring) وقائد فرق الأس أس هنريش هملر (Heinrich Himmler) ووزير الدعاية جوزيف غوبلز (Joseph Goebbels). وأمام هذا الوضع، اتجه رودولف هيس للبحث عن فكرة لاستعادة موقعه بنظر أدولف هتلر. إلى ذلك، أقنع رودولف هيس مصمم الطائرات الألماني ويلي ميسرشميت (Willy Messerschmitt) بالسماح له بتجربة إحدى الطائرات من نوع ميسرشميت بي أف 110 (Messerschmitt Bf 110) والتدرب عليها. وبالفترة التالية، اقترح رودولف هيس إحداث عدد من التغييرات على هذه الطائرة الحربية لزيادة فاعليتها على ساحات المعارك.

يوم 10 أيار/مايو 1941، اتجه رودولف هيس لتنفيذ خطة غريبة وضعها بنفسه. فعقب ارتدائه ثياباً مدنية، أقلع الأخير على متن طائرة ميسرشميت بي أف 110، غير مسلحة، باتجاه الأراضي البريطانية. ومن خلال خطته، اتجه رودولف هيس نحو الأراضي البريطانية، أملا في فتح مفاوضات سلام مع البريطانيين لإنهاء الحرب بين لندن وبرلين.

فشل المبادرة الغريبة
أثناء تحليقه فوق الأراضي البريطانية، أفلت رودولف هيس من طائرتين بريطانيتين أرسلتا لملاحقته كما نجا في الآن ذاته من ضربات المضادات الجوية. ومع دخوله الأجواء الإسكتلندية، بحث رودولف هيس عن مدرج الهبوط التابع للورد هاميلتون. ومع فشله في العثور عليه، قفز رودولف هيس بالمظلة عند منطقة أيرشاير (Ayrshire) حيث أصيب بكسر برجله حال نزوله.

وعلى عين المكان، ألقى البريطانيون القبض على رودولف هيس الذي تحدث عن قدومه لبريطانيا لإنهاء الحرب بين برلين ولندن. وبتصريحاته، تحدث هيس عن معرفته الشخصية باللورد هاميلتون وطالب البريطانيين بالسماح له بلقائه لبدء مفاوضات سلام، مؤكدا على العلاقة الهامة التي حظي بها اللورد هاميلتون مع السياسيين البريطانيين. من جهة ثانية، قدّم رودولف هيس نفس العرض الذي قدمه هتلر عام 1940 للبريطانيين حيث عرض رودولف هيس السلام بين ألمانيا والإمبراطورية البريطانية مقابل السماح للألمان بوضع يدهم على القارة الأوروبية.

إلى ذلك، رفض البريطانيون ما جاء به رودولف هيس واقتادوه للتحقيق. وأثناء التحقيقات، صرح هيس من دون قصد، عن استعداد ألمانيا لمهاجمة الاتحاد السوفيتي. ومن جهتهم، احتفظ البريطانيون بهذه المعلومة لأنفسهم وتكتموا عنها رافضين بذلك إبلاغ موسكو بالأمر. من جهته، دان أدولف هتلر بشدة ما قام به رودولف هيس وتحدث عن حركة أحادية مؤكدا على تدهور المدارك العقلية للأخير.

طيلة فترة الحرب، مكث رودولف هيس بالمعتقلات البريطانية حيث عانى من تدهور سريع لمداركه العقلية. ومع نهاية الحرب، مثل الأخير أمام المحاكمة الدولية لمجرمي الحرب النازيين بنورمبرغ حيث نال حكما بالسجن المؤبد. وبسجنه عام 1987، أقدم رودولف هيس على الانتحار، عن عمر ناهز 93 سنة، عن طريق شنق نفسه.