قد تندثر الكثير من الأحلام بسبب الخوف، أو الشك، أو سواها من العوائق لقاء الرغبة بالشعور بأمان. لكن عددًا لا يحصى من النساء خالفن الصورة النمطية القائلة إنهن أكثر عرضة للمخاطر من الرجال، وحقّقن أهدافًا مذهلة بطرق يمكن لأي شخص تطبيقها. فما هو سرّ نجاحهنّ؟
وقال فرانك فارلي، عالم النفس والأستاذ الفخري في جامعة تيمبل حيث يُدرّس السلوك البشري: "يختلف الناس في التعبير عن المخاطر. فمنهم من يهوى المجازفة الكبيرة وآخرون يتجنبون المخاطرة، وهو نوع من التواصل الذي يتأثّر بالعامل البيولوجي، والتربية، والعوامل الشخصية، والمجتمع، والعوامل الاجتماعية".
صوفيا دانينبيرغ أصبحت أول امرأة أمريكية ذات بشرة داكنة تتسلق قمة جبل إيفرست: "أنا من النوع الذي يقول فقط أقدم على ذلك"
ويقسّم فارلي المخاطرة إلى مجالين: المجال المادي للمخاطرة (مثل سباق السيارات)، والمجال النفسي للمخاطرة (مثل الشؤون المالية أو ريادة الأعمال). وفي حين يرتبط الرجال تقليديًا بالمخاطرة الجسدية، فإنّ هذا الرأي يتغيّر مع توسّع الفرص المتاحة للنساء (حيث تقتنص النساء العديد منها).
وأفاد فارلي في بحثه أن "جميع المجالات التي قد تنطوي على بعض من عناصر خطر الفشل تقريبًا قد فُتحت (أمام النساء)". وتابع: "تقوم النساء بأمور رائعة في المجالين، ولم يكن ممكنًا أن يُسمع بها قبل 100 عام. لذلك، أصبح من الصعب بشكل متزايد مناقشة الاختلافات في القدرات، والإمكانيات، والإنجازات، وما إلى ذلك". صوفيا داننبرغ وإيبوني نورفليس هما نموذجان من هؤلاء النساء اللواتي يعطين دروسًا في المخاطرة للجميع.
"المثابرة أحد الأسرار"
لم يكن لدى دانينبيرغ أي طموح بتسلّق أعلى قمة في العالم قبل أن تفعل ذلك. وقالت دانينبيرغ، أول أمريكية من البشرة السوداء تصل إلى قمة جبل إيفرست: "لم يقل والدي أبدًا أمورًا مثل لا تدعِ أحدًا يخبرك بأنك لا تستطيعين فعل ذلك لأنك فتاة، أو لأن بشرتك داكنة. لم يضع هذا المفهوم في رأسي أبدًا حتى يعتقد شخص ما ذلك".
بعد خمس سنوات من تسلق الجبال، عرض أحدهم على دانينبيرغ فكرة تسلق جبل إيفرست. وبعد فترة من التفكير، غيرت مسارها لتصعد أحد أخطر جبال العالم مع تخصيص ثلاثة أشهر للتحضير. وقالت دانينبيرغ: "لا أعتبر أن تسلّق قمة جبل إيفريست عبارة عن مخاطرة كبيرة أو يتطلب الكثير من الشجاعة". وتابعت: "لم يكن التسلق الفعلي حقًا المخاطرة. إنما القرار الأول، قرار التجربة. ثم إذا اختبرت الأمر وكان واضحًا أن الأمور ستسير بشكل سيئ، وكنت على وشك الانسحاب بعد إنفاق كل هذه الأموال، فسأعتبر هذا الأمر مخاطرة".
وأوضحت دانينبيرغ التي تعمل بمهنة متطلبة كمحللة رئيسية في السياسة الدولية والبيئة والاستدامة في شركة "بوينغ": "أشغل تفكيري باتباع خطوات معينة، ومن خلال القيام بالكثير من التحليلات، وتنفيذ الأمور فعليًا". وأضافت: "لست طموحة، أنا عنيدة. لا أستطيع أن أؤكد أنّ المثابرة الكافية لها علاقة كبيرة بالأمر. أحاول أن أفعل كل ما أقوم به بشكل جيد بغض النظر عما هو".
مجازفات محسوبة
يفهم هؤلاء الحالمون أن الفشل غالبًا ما يكون متأصلًا في هذه العمليات. وقال فارلي إن خيبات الأمل، عندما تحدث، ليست بالأمر السيئ دومًا. وأضاف: "يحتاج المرء إلى الاستعداد للفشل. وفي بعض الأحيان يأخذ الفشل الناس إلى حلم جديد وأفضل". وحققت نورفليس، وهي متزوجة وأم لطفلين، قفزة في مجال أمن الشركات الأمريكية لتحقيق حلمها بأن تصبح مالكة امتياز لشركة "Blue Kangaroo Packoutz"، وهي شركة ترميم محتويات في مدينة أتلانتا الأمريكية. ورفضت العديد من البنوك طلبات القروض الخاصة بها لأن الامتياز كان علامة تجارية جديدة نسبيًا، ولم تكن تملك أي خبرة في الترميم.
تركت إيبوني نورفيليس الشركات الأمريكية لتحقيق حلمها في أن تصبح مالكة امتياز لشركة "Blue Kangaroo Packoutz"
لكنّ المثابرة كانت المفتاح. وشرحت نورفليس قائلة: "كان عليّ دومًا أن أقاتل لأقول لنفسي إنني قادرة، وأنّ في وسعي القيام بذلك، وأن هذا أمر يمكنني تحقيقه بنجاح". وأضافت: "عليك تقريبًا أن تمرّن عقلك وتصبح مخدرًا (لسماع لا). وإذا كنت تؤمن بنفسك، إذا كنت تؤمن بـ(حلمك)، فسوف تطوّر عزمك، وتثابر".
"متى تنسحب"؟
هناك مئات من المتسلقين فارقوا الحياة على جبل إيفرست حيث دفنوا، وما ذلك إلا دليل على خطورة التسلّق المحتملة. واعتبرت دانينبيرغ أن "الجميع يريدون سماع قصة نجاحك، وحديثاً تحفيزياً مثل ’لا تستسلم‘. بالنسبة لي، ليس هذا الموقف الذي يمكنني تبنّيه بأمان على جبل مثل إيفرست. إنه مغامرة خطيرة للغاية لدرجة أنني قلت لنفسي: ’أستسلم في أي لحظة. إذا كان الأمر يبدو سيئًا، أتوقف فقط‘".
"سوف تُصدم ممّا يمكنك فعله"
أما الاستعداد لاغتنام الفرص بجرأة عندما تأتي، مقابل انتظار التوقيت "المثالي" هو أحد أقوى نصائح دانينبيرغ. ولفتت دانينبيرغ، التي تشغل منصب باحثة ضمن برنامج "فولبرايت" وخريجة جامعة هارفارد، إلى أنّ "الكثير من الأمور التي اعتبرها الناس إنجازات في حياتي تبدو غير ذات صلة".
وتابعت: "لكن في مرحلة ما، وضع شخص ما هذه الفرصة أمامي، وقلت:’بالتأكيد لما لا نجربها. فلنرى كيف ستسير الأمور.‘ سوف تُصدم ممّا يمكنك تحقيقه. وإذا حاولت التحديد قبل أن تحاول، فلن تعرف". وتتمتع نورفليس بأفكار مماثلة، إذ قالت: "ماذا لو قرر (جيف) بيزوس عدم متابعة ما يسعى إليه؟. كيف كانت ستكون الحياة من دون أمازون؟ لن يكون لدى الجميع فكرة بيزوس، لكن بدأت فكرة بيزوس في المقام الأول كحلم".